عدد المساهمات : 144 تاريخ التسجيل : 06/01/2012 الموقع : أرض الله الواســــعـــــــهــ
موضوع: الحث على افشاء السلام السبت يناير 07, 2012 5:40 pm
الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا . أما بعد:
فيا عباد الله، اتّقوا الله تعالى واعلموا أنَّ من أسماء الله تعالى: الحكيم وهو الحاكم المحكم لكل ما صنع وشرع، فلله الحكمة البالغة فيما يشرعه لعباده من العبادات والمعاملات، وللهِ الحكمة البالغة فيما يقدّره على عباده من السرور والمصائب المهلكات، وللهِ الحكمة فيما يصطفي من خَلْقِهِ وفيما يكره من خَلْقِهِ، فالله - عزَ وجل - يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ويفضل من الأوقات أوقاتًا، ومن الأمكنة أماكن، ففضَّل الله تعالى مكة على سائر البقاع، ثم من بعدها المدينة: مهاجر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعدهما بيت المقدس: مكان غالب الأنبياء الذين قصَّ الله علينا نبأهم، وجعل لمكة والمدينة حرمًا وليس لبيت المقدس حرم، وما يذكر من أنه حرمٌ فإنه خطأ لا أساس له من الصحة . إن الحرم في مكانين فقط لا ثالث لهما؛ أحدهما: مكة، والثاني: المدينة النبويّة، وفضَّل الله تعالى بعض الشهور والأيام على بعض فـ﴿ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36]، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثلاثة متوالية، والرابع شهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان . وفضَّل الأيام بعضها على بعض؛ فَخيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وفضَّل بعض الليالي على بعض؛ فليلة القدر خير من ألف شهر . فعَظِموا أيها المسلمون، عظّموا ما عظمه الله تعالى من الأماكن والأزمنة والأشخاص من الملائكة والأنبياء وغيرهم؛ لأن الله لا يُفضل شيئًا إلا لحكمة بالغة، ولقد ذكر أهل العلم - رحمهم الله - أن ثواب الحسنات يُضاعف في كل زمان ومكان فاضل، وأن عقوبة السيئات تَعظم في كل زمان ومكان فاضل، وشاهدوا هذا في كتاب الله تعالى وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: 217]، وقال تعالى في المسجد الحرام: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25]، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوم الجمعة أفضل الأيام، وعلى ما قال العلماء: تكون السيئات فيه مضاعفة؛ أي: أنها أشد عقوبة من غيره وكذلك الحسنات . أيها الإخوة، إننا في هذا الشهر في أحد الأشهر الحرم فعلينا أن نلتزم حدود الله تعالى، أن نقيم فرائض الله وأن نجتنب محارمه، نؤدي الحقوق فيما بيننا وبين الله وفيما بيننا وبين عباد الله، واحذروا نزغات الشيطان ووساوسه، فإنه قد قعد لابن آدم كل مرصد وأقسم لله تعالى ﴿لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 17]، وأقسم لله تعالى بعزَّة الله ليغوينهم؛ أي: بني آدم أجمعين ﴿إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: 83] . إن الشيطان - أيها الإخوة - لحريص كل الحرص على إغواء بني آدم وإذلالهم: يصدهم عن دين الله، يأمرهم بالفحشاء والمنكر، يُحبب إليهم المعاصي ويُكرِّه إليهم الطاعات، يأتيهم من كل جانب ويقذفهم بسهامه من كل جبهة، إن رأى من العبد رغبةً في الخير ثبَّطه عنه وأقعده فإن عجز من هذا الجانب جاءه من جانب الغلو والوسواس والشكوك وتعدي الحدود في الطاعة فأفسد عليه دينه فإن عجز عنه من جانب الطاعات جاءه من جانب المعاصي، فينظر الشيطان أقوى المعاصي هدْمًا لدين ابن آدم فيوقعه فيها فإن عجز عنه من هذا الجانب حاوَلَه من جانب أسهل فأوقعه فيما دون ذلك من المعاصي، فإذا وقع في شرَك المعاصي فقد نال الشيطان منه بُغيته؛ لأن الإنسان متى كسر حاجز المعصية أصبحت المعصية هيِّنة عليه، صغيرة في عينه، يقلّلها الشيطان في نفسه تارةً ويفتح عليه باب التسويف تارةً، يقول له: هذه هيِّنة، افعلها هذه المرّة وتُب إلى الله؛ فباب التوبة مفتوح، وربك غفور رحيم، فلا يزال به يَعِدُه ويُمَنِّيه وما يَعِده ﴿الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا﴾ [النساء: 120]، فإذا وقع في هذه المعصية التي كان يراها صعبة كبيرة وهانَتْ عليه تدرَّج به الشيطان إلى ما هو أكبر منها، وهكذا أبدًا حتى يخرجه من دينه كله . ولقد أشار النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى هذا التدرّج فيما رواه الإمام أحمد عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وهذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ»(1). عباد الله، احذروا مكايد الشيطان، احذروا مكره؛ فإنه يتنوَّع في ذلك ويتلوّن، فهذا يأتيه من قِبل الإيمان والتوحيد فيوقعه في الشك أحيانًا وفي الشرك أحيانًا، وهذا يأتيه من قِبل الصلاة فيوقعه في التهاون بها والإخلال، وهذا يأتيه من قِبل الزكاة فيوقعه في البُخل بها أو صرفها في غير مستحقها، وهذا يأتيه من قِبل الصيام فيوقعه فيما ينقّصه من سيئ الأقوال والفعال، وهذا يأتيه من قِبل الحج فيوقعه في التسويف به حتى يأتيه الموت وما حج، وهذا يأتيه من قِبل حقوق الوالدين والأقارب فيوقعه في العقوق والقطيعة، وهذا يأتيه من قِبل الأمانة فيوقعه في الغش والخيانة، وهذا يأتيه من قِبل المال فيوقعه في اكتسابه من غير مبالاة فيكتسبه عن طريق الحرام: بالربا تارةً، وبالغرر والجهالة تارةً، وبأخذ الرشوة أحيانًا، وبإهمال عمله تارةً إلى غير ذلك من أنواع المعاصي وأجناسها التي يغر بها الشيطان بني آدم ثم يتخلّى عنهم أحوج ما يكونون إلى المساعد والمعين . أيها الإخوة، استمعوا قول الله تعالى في غرور الشيطان لأبوينا آدم وحواء حين أسكنهم الله الجنة وأذِن لهما أن يأكلا رغدًا من حيث شاءا من أشجارها وثمارها سوى شجرة واحدة عيَّنها الله لهما بالإشارة، فقال: ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [الأعراف:19]، ولكن الشيطان وسْوَسَ لهما وقال: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: 20]، ﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ [الأعراف: 21]، أي: أقسم لهما إقسامات كثيرة ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21]، ﴿فَدَلاهُمَا﴾ [الأعراف: 22]، أي: أنزلهما من مرتبة الطاعة وعلو المنزلة ﴿بِغُرُورٍ﴾ [الأعراف: 22] . واسمعوا خِداعه لقريش في الخروج إلى بدر وتخلّيه عنهم؛ حيث قال الله تعالى في ذلك: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 48] . واسمعوا قول الله تعالى في خداع الشيطان لكل إنسان وتخلّيه عنه؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [الحشر: 16-17]، وقال الشيطان لَمّا قضي الأمر: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: 22] . فاحذر أيها المسلم، احذر نزغات الشيطان، احذر خداعه، لا يستجرينَّك الشيطان إلى ما تكون فيه هلكتك، استعذ بالله منه وانتهِ عن وساوسه؛ فلقد كان يأتي القلب فيُشككه في أعظم الأشياء يقينًا، فإن تابعه سلخ من دينه، وإن فعل ما أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلَّصه الله منه . لقد شكا الصحابة - رضي الله عنهم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجدونه في نفوسهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم بل أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يستعيذوا بالله وينتهوا عمّا يقع في قلوبهم من الوساوس، ومصداق ذلك في كتاب الله﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 200-201] . اللهم أعِذْنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعِذْنا من الشيطان الرجيم، اللهم أعِذْنا من الشيطان الرجيم، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين الذين ليس له سلطان عليهم وعلى ربهم يتوكّلون، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[الأعراف: 147] . وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحبٍ ومعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلَّم تسليمًا كثيرًا . أما بعد:
فيا عباد الله، إن الله - تبارك وتعالى - أوجب عليكم حقوقًا بينكم إذا أدّيتموها صلح المجتمع وتآلف واجتمع، منها: ما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: حق المسلم على المسلم ست: «إذا لقيته فسلِّم عليه»(2)فهذا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، فإذا لقيت أخاك فسلِّم عليه السلام الشرعي: السلام عليك، أو سلام عليك، أو السلام عليكم، أو سلامٌ عليكم، أما أهلاً وسهلاً ومرحبًا وما أشبه ذلك من الكلمات فإنها ليست التحيّة الشرعية ولكنها من مكمِّلات الترحيب بالإنسان . فعليك - يا أخي - بالتحية الشرعية التي ذكرنا لك أربعة أصناف منها . وإذا سَلَّم الإنسان على أخيه فإنه ينال بذلك عشر حسنات يجدها مدخرة عند الله تعالى أحوج ما يكون إليها، وإذا سَلَّم على أخيه نال بذلك المودّة والمحبة بينهما، والمودة والمحبة بين المسلمين من كمال الإيمان حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واللهِ لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفَلا أُخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم»(3) . أما المسلَّم عليه فيجب عليه أن يرد ردًّا شرعيًّا تبرأ به الذمة؛ لأن ابتداء السلام سنّة وردُّه فرض؛ وعلى هذا فليكن ردك شرعيًّا، تقول: عليك السلام، أو عليكم السلام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرد بقوله: عليك السلام، وإذا رددت بقول: عليكم السلام فلا حرج في ذلك؛ لأنه يكون ردًّا عليه وعلى مَن معه من الملائكة؛ هكذا قال العلماء رحمهم الله: أيُّ مسلم تلقاه فإن مِنْ حقه عليك أن تبادره بالسلام «فبادر بالسلام فإن خيركما الذي يبدأ بالسلام»(4) . ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الناس قدْرًا عند الله وأعظمهم سيادةً وشرفًا، كان صلى الله عليه وسلم يبدأ مَن لقيه بالسلام وكان يُسلم على الصبيان حين يَمُرّ عليهم، أفلا يكون لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة ؟ إن من المؤسف حقًّا أنك ترى المسلمين اليوم يُلاقي بعضهم بعضًا لا يعرفون السلام إلا قليلاً، وربما إذا سلّمت عليه استغرب ورأيت على وجهه أثر الاستغراب؛ وذلك لقلّة فشوِّ السلام بين المسلمين . ولا تُسلِمْ على أحد من غير المسلمين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ولا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام»(5)، ولكن إذا سَلَّم فَرُدَّ عليه بمثل ما سلّم به، فإذا قال: السلام عليكم، فَقُل: عليكم السلام، وإذا قال: السام عليكم، فقل: وعليكم، هكذا جاءت به السُّنة؛ وذلك لأن اليهود كانوا يَمُرّون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: السَّامُ عليكم يا محمد، والسَّامُ في لغة العرب هو: الموت، وكذلك يفعلون مع الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود إذا مرّوا يقولون: السَّامُ عليكم فقولوا: وعليكم»(6)، وفي هذا دليل على أنهم إذا قالوا: السلام عليكم بلفظ صريح في السلام فإننا نقول: عليكم السلام، لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]. وتأمَّل هذا الدين الإسلامي كيف كان بعيدًا عن الفحش حتى في أعداء الله؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اليهود يقولون: السَّامُ عليكم فقولوا: وعليكم»(7) ولم يقل: قولوا وعليكم السام؛ تنزيهًا لألسنة المسلمين عن الفحش، وهذا من كمال الدين الإسلامي، «وإذا مرَّ جماعة بجماعة فإن الحق أن يُسلم القليلُ على الكثير» وإذا لم يفعلوا فليُسلم الكثيرُ على القليل، ولا تضيع السُنَّة بينهم «وإذا مرَّ الصغير بالكبير فإن الحق أن يُسلم الصغير على الكبير»( ولكن إذا لم يفعل فليُسلم الكبير؛ حتى لا تضيع السنَّة بينهما . وإذا دخل الإنسان على جماعة فإنه يُسلّم عليهم جميعًا، ولا أعلم في السنَّة المطهرة أن الإنسان يمرُّ بالجالسين فيصافحهم واحدًا واحدًا، وإنما «كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذا دخل المجلس جلسَ حيث ينتهي به المجلس»(9)، ولا أعلم أنه نُقل عنه أنه كان يمرُّ على الناس يصافحهم واحدًا واحدًا فيحوجهم إلى القيام وربما كان بعضهم يَتعب إذا قام، لو كانت السنَّة أتت بذلك لكان ذلك على العين والرأس، ولكني لا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أصحابه كانوا إذا دخلوا المجلس صاروا يسلّمون عليهم واحدًا واحدًا بالمصافحة، ومَن وجد ذلك فلْيدلّنا عليه مشكورًا . كذلك أيضًا كان الناس إذا دخلوا فإنهم يبدؤون من اليمين ولو كان هو الصغير ولكن هذا خطأ وفهمٌ للسنَّة على غير وجهها؛ فإن السُّنَة أن تبدأ بالكبير كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ثم بِمَن عن يمينك إلا «إذا كان الرجلان جالسين عن يمينك وشمالك فابدأ بِمَن على اليمين ولو كان هو الصغير»(10) . وإني أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا جميعًا الفقه في دينه، وأن يرزقنا فَهم النصوص على ما أراد الله ورسوله؛ حتى لا نَضِلّ بأنفسنا ونُضِلّ غيرنا، وإن تحقيق مسائل العلم والدين له أهمية كبيرة؛ حتى لا يرتكب الناس الخطأ ويمشون عليه ويكون ذلك كالعقيدة في نفوسهم . واعلموا «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(11)، وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيّكم، على إمامكم، على سيّدكم محمد صلى الله عليه وسلم، واحرصوا على اتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، واملؤوا قلوبكم بمحبته؛ فإن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من محبة الله عزَّ وجل . إننا نحبه؛ لأنه رسول رب العالمين، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده . أكْثروا من الصلاة والسلام عليه تؤدّوا شيئًا من حقِّه ويُعظم الله لكم الأجر؛ فإن «مَن صلى عليه مرَّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» . اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا عندك في جنّات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم اجمعنا به عندك مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين . اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين الذين قاموا بالخلافة على أكمل وجه مُخلصين لله، متَّبعين لرسول الله، نافعين لعباد الله وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، اللهم ارضَ عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارزقنا محبّة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوقيرهم واحترامهم وتعظيمهم؛ فإنهم نَقَلةُ الشريعة إلينا رضي الله عنهم، مَن قدح فيهم فقد قدح في الشريعة الإسلامية، ومَن قدح فيهم فقد قدح برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يكون أصحابه من شرار الخلق، ومَن قدح فيهم فقد قدح بحكمة الله عزَّ وجل؛ أن قيّض لرسوله شرار الخلق، فالقدح في الصحابة قدح في هذه كلها؛ قدح في الشريعة، قدح برسول الله صلى الله عليه وسلم، قدح بحكمة الله تبارك وتعالى . أسأل الله تعالى أن ينصرنا وإياكم بدينه وأن ينصر دينه بنا؛ إنه على كل شيء قدير . أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .